طارق بن زياد وفتح الأندلس

————————————-

يُعتبرُ طارق بن زياد أحد أشهر القادة العسكريين في التاريخ وتُعدّ سيرته العسكريَّة من أنجح السير التاريخيَّة ويحمل(جبل طارق) جنوب إسبانيا(الأندلس) اسمه.

__اختلفت الرواية الإسلامية في أصله ونسبته، فقيل هو فارسى من همذان، كان مولى لموسى بن نُصير، وقيل إنه من سبى البربر، وقيل أنه بربري من بطن من بطون نَفْزَة.

_يقول ابن عذارى المراكشى، فى كتابه "البيان المغرب فى أخبار ملوك الأندلس والمغرب"، أن نسب طارق بن زياد هو "طارق بن زياد بن عبد الله بن لغو بن ورقجوم بن نير بن ولهاص بن يطوفت بن نفزاو"، ما يبين أنه ينتمى إلى قبيلة نفزاوة الأمازيغية، وبالضبط إلى عشيرة بنى ونمو التى كانت تسكن جبل أوراس شمال شرق الجزائر.

__كما أورد صاحب البيان المعرب أن طارق تلقى الإسلام عن جده عبد الله، وهو أول اسم عربى نسبه، ثم ينحدر مساق النسب بعد ذلك خلال أسماء بربرية محضه حتى ينتهى إلى نفزه، وهي القبيلة التى ينتمى إليها.

_كان رحمه الله أبيض اللون، أزرق العينين ،أشقر الشعر إضافة إلى ضخامته الجسمية، وهذه الصفات دليلاً إلي انتماء طارق إلى الجنس البربري فالبربر كما شاهدنا في ربوعهم المغرب، يكثر بينهم الطول والشقرة.

وكان فارسًا مغوارًا، وقائدًا محنكًا، جمع بين التقوى والورع ، والكفاءة الحربية، وحُبَّ الجهاد، والرغبة في الاستشهاد في سبيل الله، ورغم أنه كان من البربر،وليس من العرب إلاَّ أن (مُوسَى بن نُصَير) قدَّمه على غيره من العرب، لكفائته ،وقدرته على فَهم وقيادة قومه من (البربر).

_وكان طارق جندياً عظيماً ظهر فى غزوات المغرب بفائق شجاعته وبراعته، وقدر مواهبه ومقدرته واختاره لحكم طنجة وما يليها، وهي يومئذ أخطر بقاع المغرب الأقصى وأشدها اضطرباً، فلفت انتباه القائد( موسى بن نصير) واختاره ليكون قائداً على مقدمة الجيوش في المغرب التي كانت تقود الفتوحات الإسلامية في منطقة المغرب حتى المحيط الأطلسي.ثم اختاره لفتح الأندلس.

___فعبر البحر من سَبْتَة بجيشه تباعاً في سفن يوليان القليلةونزل بالبقعة الصخرية المقابلة التى مازلت تحمل اسمه إلى اليوم (جبل طارق)، وذلك في يوم الإثنين الخامس من رجب سنه٩٢هـ(٢٧إبريل سنة٧١١م).

__واخترق طارق المنطقة المجاورة غرباً بمعاونة يوليان وإرشاده، وزحف على ولاية الجزيرة التى كان يحكمها تيودومير القوطى عامل ردريك واحتل قلاعها، بعد أن هزم شراذم من القوط تصدت له. وبادر حكام الولايات المجاورة بإخطار بلاط طليطلة بالخطر الداهم. وكان ردريك يشتغل يومئذ بمحاربة بعض الخوارج في الولايات الشمالية، فهرع إلى طليطلة شاعراً بفداحة الخطر المحيق بعرشه وأمته، وبعث قائده إديكو لرد العدو حتى يستكمل أهبته، ولكن طارقاً هزمه ثم احترق بسائط"الفرنتيره" معتزماً السير صوب عاصمة القوط.

_وكان رُدريك أو لذريق كما يسميه العرب، أميراً شجاعاً وافر المقدرة والعزم، ولكنه كان طاغية يثير بقسوته وصرامته حول كثيراً من البغضاء والسخط. وكان عرشه يرتجف فوق بركان من الخلاف، وكانت إسبانيا قد مزقت شيعاً وأحزاباً، يتطلع كل منهما إلى انتزاع السلطان والملك، وكان أهم هذه الأحزاب وأقواها حزب العرش القديم الذى يلتف حول ولدى وتيزا(غيطشة).

__ومع ذلك فقد اعتصم القوط حين الخطر الداهم بنوع من الاتحاد، واستطاع ردريك أن يجمع حوله معظم الأمراء والأشراف والأساقفة، وحشد هؤلاء رجالهم وأتباعهم، فاجتمع للقوط يومئذ جيش ضخم تقدره بعض الروايات بمائة ألف، ويقدره صاحب كتاب "تحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس" بتسعين ألف. وسار ردريك نحو الجنوب للقاء المسلمين، وكان طارق قد وقف على أمر هذه الأهبة العظيمة، فكتب إلى موسى بن نُصير يستجد به، فأمده بخمسة آلاف مقاتل، فبلغ المسلمون عشر ألفاً، وانضم إليهم يوليان في قوة صغيرة من صحبه وأتباعه.

_كان القوط أضعاف المسلمين، وكان المسلمون يقاتلون في أرض العدو في هضاب ومفاوز شاقة، ولكن قائدهم الجرئ تقدم إلى الموقعة الحاسمة بعزم. فكان اللقاء بين الجيشين في سهل الفرنتيره Frontera على ضفاف نهر وادى لكُّة الذى يصف في خليج قادس على مقربة شَرِيشَ، ففي هذا السهل الصغير الذى تحده من الجنوب سلسلة من التلال العالية، تلاقى العرب والقرط ، والإسلام والنصرانية، وذلك في الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة٩٢(١٧يوليه سنة٧١١م). وفرق النهر بين الجيشين مدى ثلاثة أيام شغلت بالمعارك البسيطة. وفي يوم الرابع التحم الجيشان ونشبت بينهما معركة عامه.

_وظهر ردريك وسط الميدان في حلل ملوكية فوق عرش تجره الخيل المطهمة، متشحاً بالحرير والذهب، مضجعاً في هودج من العاج.

__واستمرت المعركة هائلة مضطرمة بين الجيش القوى النصرانية الضخمة، وبين القوة المسلمة المتواضعة نحو أربعة أيام. ولكن الجيش القوطى كان رغم كثرته مختل النظام منحل العرى، وكان يقود جناحيه إيڤا وسيزبوت خصما ردريك، وتتكون صفوفه من أتباعهما وأتباع حلفائهما من الأمراء والزعماء الناقمين، الذين تظاهروا بالإخلاص وقت الخطر، وكلهم يتحين الفرصة للإيقاع بالملك المتعصب، فكانت الخيانة تمزق جيش القوط شر ممزق. واستمال يوليان والأسقف أوپاس وهما في صف المسلمين كثيراً من جند القوط، وبثا بدعايتهما في الصفوف الموالية لردريك كثيراً من عوامل الشقاق والتفرق، فأخذ كل أمير يسعى في سلامة نفسه. وتمكن الجيش الإسلامي على ضآلة عدده، بجلده وثباته واتحاد كلمته، من جيش القوط، فلم يأت اليوم السابع من اللقاء حتى تمّ النصر لطارق وجنده، وهزم القوط شر هزيمة، وشتتوا ألوفاً في كل صوب.

_أمَّا (لُذريق) فقيل:أنه قُتِل، وفي رواية:إنه فرَّ إلى الشمال، ولكنه غرق في النهر ومات غريقاً ولم يعثر علي جثته.

فقد قاد أول رحمه الله الجيوش الإسلامية التي دخلت شبه جزيرة أيبيريا(الأندلس)، وصاحَبَ الانتصار الإسلامي الكبير في معركة (وادي لكة)، معركة بَرْبَاط التى انتصر فيها المسلمون إنتصاراً كبيراً،وبقيت بعدها (الأندلس)تحت حكم المسلمين أكثر من ثمانية قرون.

__وبعد (معركة وادي لكة) طارد طارق بن زياد فلول الجيش المنهزم، وسار بجيشه يفتح البلاد، ولم يجد مقاومة عنيفة في سيره تجاه الشمال، وفي الطريق إلى طُلَيْطلَة عاصمة القوط كان (طارق )يُرسل حملات عسكرية صغيرة لفتح المدن؛ مثل: (قُرْطُبَة وغَرْنَاطَة وإِلْبِيرة ومَالَقَة)

_وواصل طارق سيره شمالاً مخترقًا هضاب الأندلس؛ حتى دخل طُلَيْطلَة بعد رحلة طويلة شاقَّة، بلغت ما يزيد على ستمائة كيلو متر عن ميدان المعركة التي انتصر فيها.

_ولما دخل (طارق بن زياد)مدينة (طُلَيْطلَة) أبقى على مَنْ ظلَّ بها من السكان، وأحسن معاملتهم، وترك لهم كنائسهم, وتابع زحفه شمالاً حتى وصل إلى خليج بسكونيه، ثم عاد ثانية إلى طليطلة، وكتب إلى( موسى بن نصير) يُحيطه بأنباء هذا الفتح وما أحرزه من نصر، ويطلب منه المزيد من الرجال والعتاد لمواصلة الفتح ونشر الإسلام في تلك المناطق، وتخليص أهلها من ظلم القوط.

_كان (موسى بن نصير) يُتابع سير الجيش الإسلامي بقيادة طارق بن زياد في الأندلس، وأدرك أنه في حاجة إلى عون ومساندة بعد أن استشهد كثير من المسلمين في المعارك التي خاضوها؛ فعَبَر إلى الأندلس في ثمانية عشر ألف جندي في (رمضان 93هـ= يونيه 712م)، وسار بجنوده في غير الطريق الذي سلكه (طارق بن زياد)ليفتح بلادًا جديدة، حتى وصل إلى (طُلَيْطلَة )والتقى (بطارق بن زياد).ثم عاودا الفتح مرَّة ثانية، وافتتحا مدينة (سَرَقُسْطَةوطَرَّكُونه وبَرْشُلُونَة) من المدن، حتى أتمَّا فتح(الأندلس).

-بعد رسالة أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك الي موسى بن نصير وطارق ابن زياد يأمرهم بالخروج عن الأندلس، تخوفاً على المسلمين من الإيغال السريع في تلك المناطق النائية.

-نهاية القائد العظيم (طارق بن زياد):

انقطعت أخبار القائد طارق بن زياد إثر وصوله إلى الشام مع موسى بن نصير، واضطربت أقوال المؤرخين في نهاية طارق؛ غير أن الراجح أنه لم يُوَلَّ عملًا بعد ذلك.

-فيذكر الدكتور عبد الله عنان نهاية طارق بن زياد فيقول:

أن الرواية الإسلامية لا تحدثنا بعد رجوع طارق بن زياد دمشق بشيء ولا تذكر لنا أين ومتي توفي، بل تسدل علي نهايته حجاباً عميقًا من الصمت"

_فيقول وليس في وسعنا إزاء هذا الغموض الذي يحيط بسيرة طارق بن زياد الا ان نتحدث عن صفاته وخلاله، وكل ما نستطيعه في هذا الموطن هو ان ننوه بخلاله العسكرية الباهرة، التي ظهرت بوضوح في حروب المغرب وفتح الأندلس، وهو بهذه الخلال يتبوأ مكانته بين أعظم الفاتحين.

___رحم الله القائد المسلم العظيم( طارق بن زياد )

وأسكنه فسيح جناته، فقد صنع لهذه الأمة أمجاداً استمرت لقرون كثيرةٍ بعد وفاته وسيذكر التاريخ إلى الأبد بطولات هذا القائد الفذ وتضحياته الكثيرة لنشر الإسلام عن طريق الفتوحات الإسلامية التي كان قائدها.

فرحمه الله وطيب ثراه

-المصدر: