الآثار السيئة للفكر الإرجائي
((( الآثار السيئة للفكر الإرجائي..! )))
..
----
1- التشجيع على التفلت من التكاليف الشرعية – فمتى شاع أن من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن، ولو لم يعمل عملاً واحداً من أعمال الإسلام،فلماذا يُتعب بعض الكسالى وضعاف الإيمان أنفسهم، وقد وجدوا مستساغا لكسلهم وتفريطهم، وبخاصة أن ( فكر الإرجاء ) لا يُطلق على هؤلاء أي وصف يبغضهم في المعصية من نحو الفسق، بل يستوي هؤلاء والعاملون بدينهم في مسمى الإيمان والاتصاف به.
فقد حدثنا القرآن أن تصوُّر أهل الكتاب أنهم لن تصيبهم النار إلا أياما معدودة، هذا التصور منهم جرأهم على ارتكاب المعاصي، فكيف بمن يُصوَّر له أن دخول النار ليس مؤكدا مهما عمل من الكبائر، بل هو مُرجأ إلى أمر الله، مما يفتح له بابا من المغامرة، قال الله تعالى: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ” جاء في تفسير السعدي : ” والسبب الذي غر أهل الكتاب بتجرئهم على معاصي الله هو قولهم {لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون} .
افتروا هذا القول فظنوه حقيقة فعملوا على ذلك ولم ينزجروا عن المحارم، لأن أنفسهم منتهم وغرتهم أن مآلهم إلى الجنة، وكذبوا في ذلك، فإن هذا مجرد كذب وافتراء، وإنما مآلهم شر مآل، وعاقبتهم عاقبة وخيمة، فلهذا قال تعالى {فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه} .
2- يُساعد ( فكر الإرجاء ) على نشوء جو النفاق، فحسب الكافر أن يتلفظ بشهادة التوحيد مرة في عمره، ويكتسب بذلك لقب الإيمان،ويفعل في مجتمعات المسلمين ما لا يتمكن من فعله لو احتل بلادهم مع كفره؛ ولذلك لم يحتج (نابليون بونابرت) ملك فرنسا في القرن التاسع عشر ليسيطر على قلب العالم العربي والإسلامي إلا إلى الإعلان عن دخوله في الإسلام واستخدام القوة ليصبح بذلك سلطانا على المسلمين باسم (الدين)؟!!
فقد أخبره المستشرقون الذين كانوا طلائع الاستعمار بعد أن درسوا أوضاع العرب والمسلمين وثقافتهم أن المسلمين يدينون بالطاعة لكل من تغلبوا عليهم بالسيف والقوة ما داموا يتظاهرون بالإسلام ؟! وما أن دخلت جيوش نابليون قلب العالم العربي ـ القاهرة ـ حتى أشاع خبر دخوله في الإسلام ـ وبما أن الإسلام والإيمان عند المتأخرين مجرد تصديق وإقرار دون عمل والتزام بأحكام الإسلام ـ فقد صار نابليون مسلم ؟ وبما أن السلطان لا يكون عند المتأخرين سلطانا شرعيا إلا بالغلبة والقهر فقد صار نابليون حاكما للمسلمين ؟!!
3- ( الفكر الإرجائي ) يعطل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعزز مقولة الشيوعيين ممن ينتسبون إلى الإسلام: لا تسمح لأحد أن يتدخل بينك وبين ربك، فإذا حدثت أحدا عن الصلاة مثلا، وسألته : كيف حالك في الصلاة ، رد عليك بأن هذه علاقة بينه وبين ربه، ولا يسمح لك بالتدخل بينه وبين الله!
4- ( الفكر الإرجائي ) يفرغ القلب من الخوف من الله، وَلَا يَصُدُّ عَنْ نَارِ الجحيم والعذاب الأليم مع كونه محفوفاً بلطائف الشهوات وعجائب اللذات إلا سياط التخويف وسطوات التعنيف، وقد ذكر الله الخوف الذي يحمل على الاستقامة في كتابه، فقال : {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]. وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات: 40-41]. وقال تعالى : {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} [الأعلى:9- 12].
وقال تعالى : {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } {وَجِلَةٌ } [المؤمنون: 60-61]
5- تسويف التوبة، أو عدم التفكير فيها أصلا، وذلك يؤدي إلى تكرار الذنب بعد الذنب حتى يعلو القلبَ الرانُ، وتضيع فرصة التوبة؛ ففي حديث حذيفة عند أحمد “تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير، فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، حتى يصير القلب على قلبين أبيض مثل الصفا، لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربد كالكوز مجخيا ـ وأمال كفه ـ لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه ” مسند أحمد ط الرسالة (38/ 314) وصححه الأرنؤوط.
6- اتهام المصلحين والناصحين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بأنهم تكفيريون متطرفون!فيُصبح تكفير المرتد جريمة، جاء في ( كتاب ظاهرة الإرجاء ) :
( من أفسد الأصول التي بناها المرجئة على هذا الاعتقاد – أي انحصار الإيمان فى التصديق القلبي وحده – أنهم حصروا الكفر فى التكذيب القلبي أيضا، حتى أنهم لم يعتبروا الأعمال الكفرية الصريحة كالسجود للصنم، وإهانة المصحف، وسب الرسول صلى الله عليه وسلم إلا دلالات على انتقاء التصديق القلبى، وليست مكفرة بذاتها ) .
7- هذا المذهب يخدم الاستبداد السياسي، فإنه إذا كان لا يجوز الخروج على الحاكم إلا بالكفر البواح، فإن ( الإرجاء ) يجعل الحاكم المستبد مهما استبد وظلم وطغى وبدل في دين الله ، يجعله في أمان من الكفر بدعوى عدم الاستحلال؛ ولذلك قال النضر بن شميل : ” الإرجاء: دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم، وينقصون من دينهم.
---
حامد العطار
تعليقات
إرسال تعليق