ظهور "نجم زرياب"

ظهور "نجم زرياب"
زرياب، مطرب من مطربي بغداد ، تربى في بيت الخلفاء في بغداد ، وكان يغني لهم ، وكان معلمه هو إبراهيم الموصلي ، وهو كبير مطربي بغداد في ذلك الوقت ، ومع مرور الوقت لمع نجم زرياب هناك في بغداد ، فغار منه إبراهيم الموصلي فدبر له مكيدة ، فطرد من البلاد ، فخرج من بغداد متجهاً صوب المغرب ، حتى وجد ضالته في الأندلس ؛ أرض غنية جداً ، فيها أموال كثيرة ، وقصور ، وحدائق ، هذه البلاد هي التي تستقبل المطربين في ذلك الزمن ، مع أن الأندلس إلى هذه الفترة لم يكن فيها غناء .
فلما وصل زرياب أرض الأندلس استقبلوه وعظموه وأكرموه ، وأدخلوه على الخلفاء ، وفي بيوت ، ونواديهمعامة ؛ فأخذ يغني للناس ، ويعلمهم ما قد تعلمه هناك في بغداد ، ولم يكتف زرياب بتعليمهم الغناء، وتكوين ما يسمى بالموشحات الأندلسية المشهورة ، لكنه بدأ يعلمهم فنون الموضة ؛ فقال للناس : هناك لبس خاص بالصيف ، ولبس خاص بالشتاء ، ولبس خاص بالربيع ، ولبس خاص بالخريف ،
ولبس خاص بالمناسبات العامة ، كما هو الحال في أرض بغداد ، ولم يكن الناس في الأندلس على هذه الشاكلة ، فأخذوا يتعلمون من زرياب ، وأخذ يعلمهم فنون الطعام ، كل يوم أكلة جديدة ، وصنف جديد وهكذا تعلم الناس ألواناً كثيرة من الطعام ، ثم أخذ يحكي لهم حكايات الأمراء والخلفاء ، وحكايات الأساطير والروايات وما إلى ذلك ، حتى تعلق الناس به بشدة ، وتعلق الناس بالغناء ، وكثر المطربون في بلاد الأندلس ، ثم بعد ذلك انتشر الرقص ، وكان في البداية بين الرجال ، ثم انتقل إلى غيرهم وهكذا .
في هذا الوقت الذي دخل فيه زرياب إلى أرض الأندلس ، كان في عهد عبد الرحمن الأوسط رحمه الله ، الذي اهتم بالعلم والحضارة والعمران والاقتصاد وما إلى ذلك ، لكنه للأسف ترك زرياب يفعل كل هذه الأمور ؛ مع أن النهضة العلمية كانت موجودة وكان العلماء كثيرين ، إلا أن كلام زرياب صرف الناس عن سماع العلماء إلى سماع زرياب ، وصرف الناس عن سماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقصص السلف الصالح إلى سماع حكايات زرياب العجيبة وأساطيره الغريبة ، بل صرف الناس عن سماع القرآن إلى سماع أغانيه ،
فالشيطان لا ينام ولا يهدأ ، حتى في وجود هذه النهضة العلمية ، قال تعالى :
{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:17]،
وكلما زاد الاهتمام بالدين كلما نشط الشيطان ؛ عن طريق زرياب ومن سار على نهج زرياب إلى يومنا هذا ، ونحن ننظر في رمضان كلما ارتقى مستوى الإيمان عند الناس ، وكلما تعلقت قلوبهم بالمساجد زاد الشيطان في أثره وفي مفعوله ، فيضع الناس على طريق غير التي أرادها الله سبحانه وتعالى لهم.
المصادر :
- أسباب ضعف الدولة الأموية في الأندلس
الأندلس من الفتح إلى السقوط
- الطريق إلى الأندلس
للدكتور : راغب السرجاني

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فائدة تتعلق بالأقارب الفجار والمناوئين للشريعة

رسالة الى اهل غزة

وظايف مصر والخليج ليوم الاثنين 30/12/2019