الثقافة المؤدلجة والثقافة المحايدة

الثقافة المؤدلجة والثقافة المحايدة

نوعان من الثقافة والمثقفين نلحظهما ونلحظ نتاج أصحابها، الأول المثقف الأيديولوجي، والثاني المثقف الباحث.
في بعض معاني الأيديولوجيا، أنها ذلك الإطار الذي يتبلور حول نظرة الشخص للحياة، فيقرأ من خلاله الماضي والحاضر ويرى المستقبل. بمعنى أنه وهو يختار ما يقرأ فإنما يختار ما يدعم به تصوراً مسبقاً لديه؛ ما يعزز سرديةً معينة كوّنها، فتراه يتحاشى القراءة في الكتب التي اشتهر مؤلفوها بموقف مغاير لما اعتاده، وكذلك الحال في شتى موارد صياغة العقل والوجدان؛ فيما يشاهده من فنون ويقرأه من آداب، لا يحيد عما اعتاد، وإن حاد فبهدف البحث فيما يقوله "خصومه" ليمتلك أدوات الرد عليهم، وكأنه في حرب فكرية، أو في حرب  سياسية والفكر أحد أدواتها.
في حين أنَّ المثقف الباحث ليس كذلك ولا يجب أن يكون.
في أحد معاني الثقافة أنها الجهد العقلي الذي يُقوِّم الفكر المعوَّج، ويصحح زاوية النظر، فيجعل الشخص إما يرى أعمق وأبعد، وإما يرى الشيء على حقيقته، دون تشويش يغيُّر معالمه. فالمثقف الحقيقي بهذا المعنى ليس أيديولوجيًّا، إنه يقرأ ويفكر ويبحث ويكتب بغرض الحقيقة، أو ما هو أقرب إليها، إن كان الوصول إليها صعب المنال، وهو كذلك.
المثقف الحقيقي -الذي ينتج الباحث الجاد- أبعد الناس عن الأحكام المطلقة، وعن وهم اليقين المعرفي، وعن سبق القوالب الجاهزة التي يضع فيها كل ما يقابله من أفكار وتيارات ومذاهب.
إنه ذلك الشخص الذي يتعامل مع كل قضية تعترضه كأنه يتعرَّف عليها لأول مرة، فيطبِّق في فهمها منهجاً يجردها من شوائب الشخصنة، والتحيزات الدينية والمذهبية، والاستقطابات السياسية، ليفهمها بأكبر قدر من الموضوعية والتوازن والحياد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فائدة تتعلق بالأقارب الفجار والمناوئين للشريعة

رسالة الى اهل غزة

وظايف مصر والخليج ليوم الاثنين 30/12/2019